الرائعة ميس الطحان
عن الكلام
ما جدوى الصوت بعد أن يتبدد في الهواء؟
سوى رغبته في الامتداد لأطول من مسافته؟
الصوت رغبة بالتحايل على الزمن
رهان على ذاكرة الصدى
ربما من أجل هذا .. نقول كلماتنا المحكومة بنوبة قلبية خاطفة وسريعة ..
نقولها صمتا كوصفة للنسيان
فالصمت قصيدة محكومة بالإعدام.
.
:"الأسامي كلام"، تقول فيروز،
اسمك لم يكن يعنيني
لم أرتجف به قبلك،
ولم يكن شاقا في غيابك،
بيد أن حضورك في الحياة منحه الحدث
وتصوراتي لك، منحته التأويل.
.
كم كان الصوت وحيدا يوم ولادة الكلمة!
"في البدء كانت الكلمة"
خرجت من فم الصمت الكوني
كأغنية ملتاعة داخل أشواقه النائمة ..
كانت تحلم دهرا ..
ثم استيقظت ..
حسن ظن بالطريق ..أم زهرة تطمح للونها الفتي؟
هكذا، أو هكذا أعتقد ..
انسكبت من ضباب المعنى.
-فهَبْ أن تؤثر الصمت خيارا!
لتنتقل من عجز الصوت المبرم
إلى لا نهائية الصمت
رغبة بالتخلي عن أرق الثرثرة!
مثلي أنا..
ملتاعة، أعجز عن بلوغ ما أقول،
كأعمى يرى مخيلته.
.
أسرفنا بالصوت،
باللغة الفقيرة التي ضيعت جوهر الإصغاء،
قالت لي نفسي:
لعلك تقتصدين ..!
فالكلام غيم خفيف يحاول ألا يعلق بأشواك سوء الفهم،
والأحلام شاقة على الغناء يا رفاقي ..
الأحلام صوت خافت يعلوه الصخب اليومي،
أخاف وهني، عندما أسرد أحلامي،
أخاف تمزقها ..
أختصرها فتقصر عن الدفء،
وأطيل فيلفحني الهجير،
فأحلامي ..رداء خفيف..
تتقي به عاطفتي صقيع الحكايات.
.
الدمعة كلمة مالحة
البكاء ترنيمة حميمة
والصلاة رقة الصمت
ناي الروح العميق اللانهائي ..
حنين يذوب عطرا في كثافة اللحظة ..
شوق العدم للوجود ..،
وبكائي صلاة.
.
في الطريق نحوك ..
خطوتي كلمة..
تسير أسرع من صوتي،
تقول:
أشتاق إليك!،
والاحتضان كلمة عاجزة تريد أن تقول:
التصق بي لكي نخشع معا،
فالحب رحب
وذراعانا أجدر من شفاهنا ..
التي تتلعثم في حرفين.
.
تقول أمي:
نطقتِ أغانيك الهشة عندما بلغت تسعة أشهر!.
ربما يكون للكلام حصة مقدّرة في أعمارنا،
ففي عقدي الرابع
فقدت قدرتي على النطق يا أمي،
وثمة أغنية شاقة، يعجز صوتي عن غنائها.
.
:الكلام يد تدق بابا تأمل أن ينفتح
الصمت مغادرة الباب.
ثم أقنع نفسي بلاجدوى الكلام
ولا أراهن على مكاني في القلوب التي عبرتُها بالأمنيات،
أو على كلام يتلوه الهجر والنسيان،
فلأصمت إذن بمحض الرضى
فالصمت جدار أصم أخير
أدرأ به خيبة أخيرة.
.
بهذه القسوة أحتمي
وبالصمت المقفل على المعنى
أختم الكلام.