يعتقد البعض أنّه سيسعد بقدر ما يدفع ، ربما لأنّ سعادته رهن مكاسبه و مصاريفه . لذا يحجز له في نهاية السنة طاولة للبهجة في فندق بخمسة نجوم ، و لا يقبل بأقل من جنرال الفرح ، متعهداً لسهرته . يلزمه مباهج بهذه الرُتبة ، لأنّ الفرح العربي يحتاج إلى نجوم ، و هو جاهز لأن يدفع 3000 دولار و أكثر ثمن مقعده . و لأنّ البهجة تحتاج إلى رفقة و زمرة و شلّة من أصدقاء الجيب ، سيدفع المبلغ نفسه أيضا عن كل مقعد محجوز على حسابه في طاولة الفرح العابر بين سنتين ، في سهرة يغنّي فيها النجوم مروراً و عبوراً بين فندقين . فسماء البهجة مزدحمة بالمطربين ، حتى إنّ البعض ذهب به السباق في التشاوف و المزايدة على التبذير ، حدّ شرائه في ليلة رأس السنة بطاقات فرحه من السوق السوداء .. عسى " قرشه الأسود " ( لا الأبيض ) يُبشرّه بأيّام بيضاء .
لا شيء يستفزني أكثر من فحش مال لا حياء لأصحابه . لذا ما دُعيت إلى طاولات الهدر أيّا كان أصحابها ، و أيّا كانت ذريعة الاحتفال أو المحتفى به ، إلّا و اعتذرتُ عن الحضور ، حتى لا أترك إنسانيتي إكراميّة لنادل الأبّهة الزائفة .
لا أفهم كيف في إمكان امرئ ، أيًّا كانت درجة إيمانه ، و مقدار ثرائه ، أن يعود إلى بيته سعيدا ، بعد أن أنفق خلال ساعتين في سهرة ، ما قد يُؤَمّن قوت عشرات الأرواح البشريّة ويبقيها حيّة أشهراً عدّة ؟
لا يظنني بعضكم ضدّ البهجة . لكنّني أعرف أنّنا لا نحصل عليها بقدر ما نُنفق . أعتقد أنّ قمّة البؤس و الفقر الخُلقيّ ، أن يتحوّل الإنفاق في حدّ ذاته لدى البعض ، إلى مصدر سعادة .
تلك النفوس المريضة ، الباحثة عن سعادتها في الإسراف ، كتب الله عليها قصاصاً ألّا تعرفها ، و هل ثمّة من حزن أكبر من أن لا يزيدك مالك إلّا افتقاراً لطُمأنينةٍ .. يمتلكها أثرياء القناعة !